Muslim Library

تفسير ابن كثر - سورة الرعد - الآية 31

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَىٰ ۗ بَل لِّلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا ۗ أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا ۗ وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31) (الرعد) mp3
يَقُول تَعَالَى مَادِحًا لِلْقُرْآنِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُفَضِّلًا لَهُ عَلَى سَائِر الْكُتُب الْمُنَزَّلَة قَبْله " وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَال " أَيْ لَوْ كَانَ فِي الْكُتُب الْمَاضِيَة كِتَاب تَسِير بِهِ الْجِبَال عَنْ أَمَاكِنهَا أَوْ تُقَطَّع بِهِ الْأَرْض وَتَنْشَقّ أَوْ تُكَلَّم بِهِ الْمَوْتَى فِي قُبُورهمْ لَكَانَ هَذَا الْقُرْآن هُوَ الْمُتَّصِف بِذَلِكَ دُون غَيْره أَوْ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى أَنْ يَكُون كَذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعْجَاز الَّذِي لَا يَسْتَطِيع الْإِنْسَان وَالْجِنّ عَنْ آخِرهمْ إِذَا اِجْتَمَعُوا أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ وَلَا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْله وَمَعَ هَذَا فَهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ كَافِرُونَ بِهِ جَاحِدُونَ لَهُ " بَلْ لِلَّهِ الْأَمْر جَمِيعًا " أَيْ مَرْجِع الْأُمُور كُلّهَا إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مَا شَاءَ اللَّه كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّه فَلَا هَادِي لَهُ وَمَنْ يَهْدِ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلّ وَقَدْ يُطْلَق اِسْم الْقُرْآن عَلَى كُلّ مِنْ الْكُتُب الْمُتَقَدِّمَة لِأَنَّهُ مُشْتَقّ مِنْ الْجَمْع قَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا عَبْد الرَّزَّاق ثَنَا مَعْمَر عَنْ هَمَّام بْن مُنَبِّه قَالَ : هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " خُفِّفَ عَلَى دَاوُدَ الْقُرْآن فَكَانَ يَأْمُر بِدَابَّتِهِ أَنْ تُسْرَج فَكَانَ يَقْرَأ الْقُرْآن مِنْ قَبْل أَنْ تُسْرَج دَابَّته وَكَانَ لَا يَأْكُل إِلَّا مِنْ عَمَل يَدَيْهِ " اِنْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ الْبُخَارِيّ وَالْمُرَاد بِالْقُرْآنِ هُوَ الزَّبُور وَقَوْله " أَفَلَمْ يَيْأَس الَّذِينَ آمَنُوا " أَيْ مِنْ إِيمَان جَمِيع الْخَلْق وَيُعَلِّمُوا أَوْ يَتَبَيَّنُوا " أَنْ لَوْ يَشَاء لَهَدَى النَّاس جَمِيعًا " فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ حُجَّة وَلَا مُعْجِزَة أَبْلَغ وَلَا أَنْجَع فِي الْعُقُول وَالنُّفُوس مِنْ هَذَا الْقُرْآن الَّذِي لَوْ أَنْزَلَهُ اللَّه عَلَى جَبَل لَرَأَيْته خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَة اللَّه وَثَبَتَ فِي الصَّحِيح أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَا مِنْ نَبِيّ إِلَّا وَقَدْ أُوتِيَ مَا آمَنَ عَلَى مِثْله الْبَشَر وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيته وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّه إِلَيَّ فَأَرْجُو أَنْ أَكُون أَكْثَرهمْ تَابِعًا يَوْم الْقِيَامَة" مَعْنَاهُ أَنَّ مُعْجِزَة كُلّ نَبِيّ اِنْقَرَضَتْ بِمَوْتِهِ وَهَذَا الْقُرْآن حُجَّة بَاقِيَة عَلَى الْآبَاد لَا تَنْقَضِي عَجَائِبه وَلَا يَخْلُق عَنْ كَثْرَة الرَّدّ وَلَا يَشْبَع مِنْهُ الْعُلَمَاء هُوَ الْفَصْل لَيْسَ بِالْهَزْلِ مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّار قَصَمَهُ اللَّه وَمَنْ اِبْتَغَى الْهُدَى مِنْ غَيْره أَضَلَّهُ اللَّه وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم : حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَة حَدَّثَنَا مِنْجَاب بْن الْحَارِث أَنْبَأَنَا بِشْر بْن عُمَارَة حَدَّثَنَا عُمَر بْن حَسَّان عَنْ عَطِيَّة الْعَوْفِيّ قَالَ : قُلْت لَهُ " وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَال " الْآيَة قَالُوا لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ سَيَّرْت لَنَا جِبَال مَكَّة حَتَّى تَتَّسِع فَنَحْرُث فِيهَا أَوْ قُطِّعَتْ بِنَا الْأَرْض كَمَا كَانَ سُلَيْمَان يَقْطَع لِقَوْمِهِ بِالرِّيحِ أَوْ أَحْيَيْت لَنَا الْمَوْتَى كَمَا كَانَ عِيسَى يُحْيِي الْمَوْتَى لِقَوْمِهِ فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة قَالَ : قُلْت هَلْ تَرْوُونَ هَذَا الْحَدِيث عَنْ أَحَد مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ نَعَمْ عَنْ أَبِي سَعِيد عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَالشَّعْبِيّ وَقَتَادَة وَالثَّوْرِيّ وَغَيْر وَاحِد فِي سَبَب نُزُول هَذِهِ الْآيَة وَاَللَّه أَعْلَم وَقَالَ قَتَادَة : لَوْ فُعِلَ هَذَا بِقُرْآنٍ غَيْر قُرْآنكُمْ لَفُعِلَ بِقُرْآنِكُمْ وَقَوْله " بَلْ لِلَّهِ الْأَمْر جَمِيعًا " قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَيْ لَا يَصْنَع مِنْ ذَلِكَ إِلَّا مَا شَاءَ وَلَمْ يَكُنْ لِيَفْعَل رَوَاهُ اِبْن إِسْحَاق بِسَنَدِهِ عَنْهُ وَقَالَهُ اِبْن جَرِير أَيْضًا وَقَالَ غَيْر وَاحِد مِنْ السَّلَف فِي قَوْله " أَفَلَمْ يَيْأَس الَّذِينَ آمَنُوا " أَفَلَمْ يَعْلَم الَّذِينَ آمَنُوا وَقَرَأَ آخَرُونَ أَفَلَمْ يَتَبَيَّن الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاء اللَّه لَهَدَى النَّاس جَمِيعًا وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة : قَدْ يَئِسَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يُهْدَوْا وَلَوْ يَشَاء اللَّه لَهَدَى النَّاس جَمِيعًا وَقَوْله" وَلَا يَزَال الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَة أَوْ تَحُلّ قَرِيبًا مِنْ دَارهمْ " أَيْ بِسَبَبِ تَكْذِيبهمْ لَا تَزَال الْقَوَارِع تُصِيبهُمْ فِي الدُّنْيَا أَوْ تُصِيب مَنْ حَوْلهمْ لِيَتَّعِظُوا وَيَعْتَبِرُوا كَمَا قَالَ تَعَالَى " وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلكُمْ مِنْ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَات لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" وَقَالَ " أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْض نَنْقُصهَا مِنْ أَطْرَافهَا أَفَهُمْ الْغَالِبُونَ " قَالَ قَتَادَة عَنْ الْحَسَن" أَوْ تَحُلّ قَرِيبًا مِنْ دَارهمْ " أَيْ الْقَارِعَة وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر مِنْ السِّيَاق وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيّ : حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيّ عَنْ قَتَادَة عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله " وَلَا يَزَال الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَة " قَالَ سَرِيَّة " أَوْ تَحُلّ قَرِيبًا مِنْ دَارهمْ " قَالَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " حَتَّى يَأْتِي وَعْد اللَّه" قَالَ " فَتْح مَكَّة " وَهَكَذَا قَالَ عِكْرِمَة وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَمُجَاهِد فِي رِوَايَة وَقَالَ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس " تُصِيبهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَة " قَالَ عَذَاب مِنْ السَّمَاء مُنَزَّل عَلَيْهِمْ" أَوْ تَحُلّ قَرِيبًا مِنْ دَارهمْ " يَعْنِي نُزُول رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ وَقِتَاله إِيَّاهُمْ وَكَذَا قَالَ مُجَاهِد وَقَتَادَة وَقَالَ عِكْرِمَة فِي رِوَايَة عَنْ اِبْن عَبَّاس " قَارِعَة " أَيْ نَكْبَة وَكُلّهمْ قَالَ " حَتَّى يَأْتِي وَعْد اللَّه " يَعْنِي فَتْح مَكَّة وَقَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ يَوْم الْقِيَامَة وَقَوْله " إِنَّ اللَّه لَا يُخْلِف الْمِيعَاد " أَيْ لَا يَنْقُض وَعْده لِرُسُلِهِ بِالنُّصْرَةِ لَهُمْ وَلِأَتْبَاعِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة " فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّه مُخْلِف وَعْده رُسُله إِنَّ اللَّه عَزِيز ذُو اِنْتِقَام " .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • المرأة الإسفنجية

    المرأة الإسفنجية: قال المصنف - حفظه الله -: «فقد تبوأت المرأة في الإسلام مكانًا عليًا في أسرتها ومجتمعها؛ فهي الأم الرءوم التي تُربي الأجيال، وهي الزوجة المصون التي تشارك الرجل كفاحه وجهاده. ومع مرور الزمن عصفت ببعض النساء عواصف وفتن فأصبحت كالإسفنجة؛ تابعة لا متبوعة، ومَقُودة لا قائدة. وقد جمعت لها بعض مواقف مؤسفة وأمور محزنة!! فإليك أيتها المسلمة بعض صفات المرأة الإسفنجية وواقعها لِتَرَيْ وتحذري من أن تقتفي أثرها وتسقطي في هاويتها. وإن كان بك بعض تلك الصفات فمن يحول بينك وبين العودة والتوبة والرجوع والأوبة. يكفي أنها كَشفت لك الحُجب، وأزالت عن سمائك السحب، وتنبهت لأمرٍ أنت عنه غافلة».

    الناشر: دار القاسم - موقع الكتيبات الإسلامية http://www.ktibat.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/208980

    التحميل:

  • حاشية الرحبية في الفرائض

    متن الرحبية : متن منظوم في علم الفرائض - المواريث - عدد أبياته (175) بيتاً من بحر الرجز وزنه « مستفعلن » ست مرات، وهي من أنفع ما صنف في هذا العلم للمبتدئ، وقد صنفها العلامة أبي عبد الله محمد بن علي بن محمد الحسن الرحبي الشافعي المعروف بابن المتقنة، المتوفي سنة (557هـ) - رحمه الله تعالى -، وقد شرحها فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم - رحمه الله -.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/72984

    التحميل:

  • قصة كاملة لم يؤلفها بشر

    قصة كاملة لم يؤلفها بشر : في هذه الرسالة واقعة أغرب من القصص، ما ألفها أديب قصصي، ولا عمل فيها خيال روائي، بل ألَّفَتْها الحياة، فجاءت بأحداثها ومصادفاتها، وبداياتها وخواتيمها، أبلغ مما ألف القصاص من الأدباء.

    الناشر: دار القاسم - موقع الكتيبات الإسلامية http://www.ktibat.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/265570

    التحميل:

  • المفطرات المعاصرة

    المفطرات المعاصرة : فلما فرغ الشيخ خالد بن علي المشيقح - حفظه الله - من شرح كتاب الصيام من زاد المستقنع، شرع في بيان بعض المفطرات المعاصرة التي استجدت في هذا الوقت، فبيّنها وبيّن الراجح من أقوال العلماء ... فشكر الله للشيخ ونفع به الإسلام والمسلمين وغفر له ...

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/174487

    التحميل:

  • رمي الجمرات في ضوء الكتاب والسنة وآثار الصحابة رضي الله عنهم

    رمي الجمرات في ضوء الكتاب والسنة وآثار الصحابة رضي الله عنهم: قال المصنف - حفظه الله -: «فهذه رسالة مختصرةٌ،محررةٌ، في «رمي الجمرات في ضوء الكتاب والسنة» بيَّنت فيها كل ما يحتاجه الحاج في رمي الجمرات في يوم العيد وأيام التشريق، وقرنت كل مسألة بدليلها من الكتاب والسنة، أو الإجماع، أو من أقوال الصحابة - رضي الله عنهم -. وقد ذكرت في متن هذه الرسالة القول الصحيح الراجح بدليله، وذكرت في الحواشي المسائل الخلافية، وبيَّنت الراجح منها؛ ليستفيد من ذلك طالب العلم وغيره ... وقد قسمت البحث إلى أربعة مباحث على النحو الآتي: المبحث الأول: مفهوم رمي الجمرات: لغة واصطلاحًا. المبحث الثاني: سبب مشروعية رمي الجمرات. المبحث الثالث: رمي جمرة العقبة وآدابه. المبحث الرابع: رمي الجمرات أيام التشريق وآدابه». - قدم له : فضيلة الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان - حفظه الله -، والشيخ العلامة صالح بن محمد اللحيدان - حفظه الله -.

    الناشر: المكتب التعاوني للدعوة وتوعية الجاليات بالربوة http://www.IslamHouse.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/193662

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة