Muslim Library

تفسير ابن كثر - سورة البقرة - الآية 271

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) (البقرة) mp3
وَقَوْله " إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَات فَنِعِمَّا هِيَ " أَيْ إِنْ أَظْهَرْتُمُوهَا فَنِعْمَ شَيْء هِيَ . وَقَوْله " وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْر لَكُمْ " فِيهِ دَلَالَة عَلَى أَنَّ إِسْرَار الصَّدَقَة أَفْضَل مِنْ إِظْهَارهَا لِأَنَّهُ أَبْعَد عَنْ الرِّيَاء إِلَّا أَنْ يَتَرَتَّب عَلَى الْإِظْهَار مَصْلَحَة رَاجِحَة مِنْ اِقْتِدَاء النَّاس بِهِ فَيَكُون أَفْضَل مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّة وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَاهِرُ بِالْقُرْآنِ كَالْجَاهِرِ بِالصَّدَقَةِ وَالْمُسِرُّ بِالْقُرْآنِ كَالْمُسِرِّ بِالصَّدَقَةِ وَالْأَصْل أَنَّ الْإِسْرَار أَفْضَل لِهَذِهِ الْآيَة وَلِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْعَة يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْم لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ : إِمَامٌ عَادِلٌ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اِجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالْمَسْجِدِ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْهِ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ وَرَجُلٌ دَعَتْهُ اِمْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبّ الْعَالَمِينَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَم شِمَاله مَا تُنْفِق يَمِينه وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا يَزِيد بْن هَارُون أَخْبَرَنَا الْعَوَّام بْن حَوْشَب عَنْ سُلَيْمَان بْن أَبِي سُلَيْمَان عَنْ أَنَس بْن مَالِك عَنْ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَمَّا خَلَقَ اللَّه الْأَرْض جَعَلَتْ تَمِيد فَخَلَقَ الْجِبَال فَأَلْقَاهَا عَلَيْهَا فَاسْتَقَرَّتْ فَتَعَجَّبَتْ الْمَلَائِكَة مِنْ خَلْق الْجِبَال فَقَالَتْ : يَا رَبّ هَلْ فِي خَلْقك شَيْء أَشَدّ مِنْ الْجِبَال ؟ قَالَ نَعَمْ الْحَدِيد قَالَتْ : يَا رَبّ فَهَلْ مِنْ خَلْقك شَيْء أَشَدّ مِنْ الْحَدِيد قَالَ : نَعَمْ النَّار قَالَتْ : يَا رَبّ فَهَلْ مِنْ خَلْقك شَيْء أَشَدّ مِنْ النَّار ؟ قَالَ : نَعَمْ الْمَاء قَالَتْ : يَا رَبّ فَهَلْ مِنْ خَلْقك شَيْء أَشَدّ مِنْ الْمَاء ؟ قَالَ : نَعَمْ الرِّيح قَالَتْ : يَا رَبّ فَهَلْ مِنْ خَلْقك شَيْء أَشَدّ مِنْ الرِّيح ؟ قَالَ : نَعَمْ اِبْن آدَم يَتَصَدَّق بِيَمِينِهِ فَيُخْفِيهَا مِنْ شِمَاله وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي فَضْل آيَة الْكُرْسِيّ عَنْ أَبِي ذَرّ قَالَ : قُلْت يَا رَسُول اللَّه أَيّ الصَّدَقَة أَفْضَل ؟ قَالَ سِرٌّ إِلَى فَقِير أَوْ جَهْدٌ مِنْ مُقِلٍّ وَرَوَاهُ أَحْمَد وَرَوَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم مِنْ طَرِيق عَلِيّ بْن يَزِيد عَنْ الْقَاسِم عَنْ أَبِي أُمَامَة عَنْ أَبِي ذَرّ فَذَكَرَهُ وَزَادَ ثُمَّ شَرَعَ فِي هَذِهِ الْآيَة " إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَات فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْر لَكُمْ" الْآيَة وَفِي الْحَدِيث الْمَرْوِيّ صَدَقَة السِّرّ تُطْفِئ غَضَب الرَّبّ عَزَّ وَجَلَّ وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم : حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن زِيَاد الْمُحَارِبِيّ مُؤَدِّب مُحَارِب أَنَا مُوسَى بْن عُمَيْر عَنْ عَامِر الشَّعْبِيّ فِي قَوْله " إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَات فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْر لَكُمْ " قَالَ : أُنْزِلَتْ فِي أَبِي بَكْر وَعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا أَمَّا عُمَر فَجَاءَ بِنِصْفِ مَاله حَتَّى دَفَعَهُ إِلَى النَّبِيّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا خَلَّفْت وَرَاءَك لِأَهْلِك يَا عُمَر قَالَ : خَلَّفْت لَهُمْ نِصْف مَالِي وَأَمَّا أَبُو بَكْر فَجَاءَ بِمَالِهِ كُلّه يَكَاد أَنْ يُخْفِيه مِنْ نَفْسه حَتَّى دَفَعَهُ إِلَى النَّبِيّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا خَلَّفْت وَرَاءَك لِأَهْلِك يَا أَبَا بَكْر ؟ فَقَالَ عِدَة اللَّه وَعِدَة رَسُوله فَبَكَى عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَقَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا أَبَا بَكْر وَاَللَّه مَا اِسْتَبَقْنَا إِلَى بَاب خَيْر قَطُّ إِلَّا كُنْت سَابِقًا وَهَذَا الْحَدِيث رُوِيَ مِنْ وَجْه آخَر عَنْ عُمَر - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - وَإِنَّمَا أَوْرَدْنَاهُ هَاهُنَا لِقَوْلِ الشَّعْبِيّ إِنَّ الْآيَة نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ ثُمَّ إِنَّ الْآيَة عَامَّة فِي أَنَّ إِخْفَاء الصَّدَقَة أَفْضَل سَوَاء كَانَتْ مَفْرُوضَة أَوْ مَنْدُوبَة لَكِنْ رَوَى اِبْن جَرِير مِنْ طَرِيق عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي تَفْسِير هَذِهِ الْآيَة قَالَ : جَعَلَ اللَّه صَدَقَة السِّرّ فِي التَّطَوُّع تَفْضُل عَلَانِيَتهَا يُقَال بِسَبْعِينَ ضِعْفًا وَجَعَلَ صَدَقَة الْفَرِيضَة عَلَانِيَتهَا أَفْضَل مِنْ سِرّهَا يُقَال بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ ضِعْفًا. وَقَوْله " وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ " أَيْ بَدَل الصَّدَقَات وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَتْ سِرًّا يَحْصُل لَكُمْ الْخَيْر فِي رَفْع الدَّرَجَات وَيُكَفِّر عَنْكُمْ السَّيِّئَات وَقَدْ قُرِئَ وَيُكَفِّرْ بِالْجَزْمِ عَطْفًا عَلَى مَحَلّ جَوَاب الشَّرْط وَهُوَ قَوْله " فَنِعِمَّا هِيَ " كَقَوْلِهِ فَأَصَّدَّق وَأَكُونَ وَأَكُنْ وَقَوْله " وَاَللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ " أَيْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْء وَسَيَجْزِيكُمْ عَلَيْهِ .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • تذكير الخلق بأسباب الرزق

    تذكير الخلق بأسباب الرزق : في هذه الرسالة بيان بعض أسباب الرزق، ثم بيان الحكمة في تفاوت الناس في الرزق.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/209177

    التحميل:

  • أخطار تهدد البيوت

    أخطار تهدد البيوت: قال المؤلف - حفظه الله -: فإن صلاح البيوت أمانة عظيمة ومسؤولية جسيمة ينبغي على كل مسلم ومسلمة أداؤها كما أمر الله والسير بها على منهج الله، ومن وسائل تحقيق ذلك تطهير البيوت من المنكرات، وهذه تنبيهات على أمور واقعة في بعض البيوت من المنكرات الكبيرة التي أصبحت معاول هدم في محاضن أجيال الأمة، ومصادر تخريب في أكنان الأسرة المسلمة. وهذه الرسالة في بيان لبعض تلك المنكرات أضيفت إليها تنبيهات على أمور من المحرمات بصيغة نصائح تحذيرية، مهداة لكل من أراد الحق وسلوك سبيل التغيير تنفيذاً لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من رأى منكم منكرًا فليُغيِّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان»؛ أخرجه مسلم (رقم 49).

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/1879

    التحميل:

  • مفتاح دار السلام بتحقيق شهادتي الإسلام

    مفتاح دار السلام بتحقيق شهادتي الإسلام: رسالة صنَّفها الشيخ - رحمه الله - في توضيح شهادتي الإسلام وبيان شروطهما وما يقتضي ذلك من العمل ونواقضهما.

    المدقق/المراجع: عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد البدر

    الناشر: موقع الشيخ عبد الرزاق البدر http://www.al-badr.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/348187

    التحميل:

  • جامع الرسائل لابن تيمية

    جامع الرسائل لابن تيمية : نسخة مصورة بتحقيق الدكتور محمد رشاد سالم - رحمه الله - وتحتوي على الرسائل التالية: 1- رِسالة فِي قنوت الأشياء كلها لله تعالى. 2- رِسالة فِي لفظ السنة فِي القران. 3- رِسالة فِي قصّة شعيب عليه السلام. 4- رِسَالَة فِي الْمعَانِي المستنبطة من سُورَة الْإِنْسَان 5- رِسَالَة فِي قَوْله تَعَالَى وَاسْتَعِينُوا بِالصبرِ وَالصَّلَاة 6- رِسَالَة فِي تَحْقِيق التَّوَكُّل. 7- رِسَالَة فِي تَحْقِيق الشكر. 8- رِسَالَة فِي معنى كَون الرب عادلا وَفِي تنزهه عَن الظُّلم. 9- رِسَالَة فِي دُخُول الْجنَّة هَل يدْخل أحد الْجنَّة بِعَمَلِهِ. 10- رِسَالَة فِي الْجَواب عَمَّن يَقُول إِن صِفَات الرب نسب وإضافات وَغير ذَلِك. 11- رِسَالَة فِي تَحْقِيق مَسْأَلَة علم الله. 12- رِسَالَة فِي الْجَواب عَن سُؤال عَن الحلاّج هَل كَانَ صدّيقًا أَو زنديقًا. 13- رِسَالَة فِي الرَّد على ابْن عَرَبِيّ فِي دَعْوَى إِيمَان فِرْعَوْن. 14- رِسَالَة فِي التَّوْبَة. 15- فصل فِي أَن دين الْأَنْبِيَاء وَاحِد. 16- فصل فِي الدَّلِيل على فضل الْعَرَب. 17- رِسَالَة فِي الصِّفَات الاختيارية. 18- شرح كَلِمَات من "فتوح الْغَيْب". 19- قَاعِدَة فِي الْمحبَّة.

    المدقق/المراجع: محمد رشاد سالم

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/273079

    التحميل:

  • الجهاد في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة

    الجهاد في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة: قال المُصنِّف - حفظه الله -: «فقد كثر الكلام في هذه الأيام عن الجهاد في سبيل الله - عز وجل -؛ ولأهمية الأمر وخطورته، أحببت أن أذكر لإخواني المسلمين بعض المفاهيم الصحيحة التي ينبغي معرفتها وفقهها قبل أن يتكلم المسلم عن الجهاد».

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/270600

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة