Muslim Library

تفسير ابن كثر - سورة البقرة - الآية 66

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ (66) (البقرة) mp3
وَقَوْله تَعَالَى " فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا " قَالَ بَعْضهمْ الضَّمِير فِي فَجَعَلْنَاهَا عَائِد عَلَى الْقِرَدَة وَقِيلَ عَلَى الْحِيتَان وَقِيلَ عَلَى الْعُقُوبَة وَقِيلَ عَلَى الْقَرْيَة حَكَاهَا اِبْن جَرِير وَالصَّحِيح أَنَّ الضَّمِير عَائِد عَلَى الْقَرْيَة أَيْ فَجَعَلَ اللَّه هَذِهِ الْقَرْيَة وَالْمُرَاد أَهْلهَا بِسَبَبِ اِعْتِدَائِهِمْ فِي سَبْتهمْ " نَكَالًا " أَيْ مَا عَاقَبْنَاهُمْ عُقُوبَة فَجَعَلْنَاهَا عِبْرَة كَمَا قَالَ اللَّه عَنْ فِرْعَوْن" فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَة وَالْأُولَى " وَقَوْله تَعَالَى لِمَا بَيْن يَدَيْهَا وَمَا خَلْفهَا أَيْ مِنْ الْقُرَى قَالَ اِبْن عَبَّاس : يَعْنِي جَعَلْنَاهَا بِمَا أَحْلَلْنَا بِهَا مِنْ الْعُقُوبَة عِبْرَة لِمَا حَوْلهَا مِنْ الْقُرَى كَمَا قَالَ تَعَالَى " وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلكُمْ مِنْ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَات لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ " وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى " أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْض نَنْقُصهَا مِنْ أَطْرَافهَا " الْآيَة عَلَى أَحَد الْأَقْوَال فَالْمُرَاد لِمَا بَيْن يَدَيْهَا وَمَا خَلْفهَا فِي الْمَكَان كَمَا قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق عَنْ دَاوُد بْن الْحُصَيْن عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس : لِمَا بَيْن يَدَيْهَا مِنْ الْقُرَى وَمَا خَلْفهَا مِنْ الْقُرَى وَكَذَا قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر لِمَا بَيْن يَدَيْهَا وَمَا خَلْفهَا قَالَ مَنْ بِحَضْرَتِهَا مِنْ النَّاس يَوْمَئِذٍ . وَرُوِيَ عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد وَقَتَادَة وَعَطِيَّة الْعَوْفِيّ" فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْن يَدَيْهَا " قَالَ مَا قَبْلهَا مِنْ الْمَاضِينَ فِي شَأْن السَّبْت وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة وَالرَّبِيع وَعَطِيَّة : وَمَا خَلْفهَا لِمَا بَقِيَ بَعْدهمْ مِنْ النَّاس مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل أَنْ يَعْمَلُوا مِثْل عَمَلهمْ وَكَانَ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ الْمُرَاد لِمَا بَيْن يَدَيْهَا وَمَا خَلْفهَا فِي الزَّمَان. وَهَذَا مُسْتَقِيمٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ يَأْتِي بَعْدهمْ مِنْ النَّاس أَنْ تَكُون أَهْل تِلْكَ الْقَرْيَة عِبْرَة لَهُمْ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ سَلَفَ قَبْلهمْ مِنْ النَّاس فَكَيْفَ يَصِحّ هَذَا الْكَلَام أَنْ تَضُرّ الْآيَة بِهِ وَهُوَ أَنْ يَكُون عِبْرَة لِمَنْ سَبَقَهُمْ ؟ وَهَذَا لَعَلَّ أَحَدًا مِنْ النَّاس لَا يَقُولهُ بَعْد تَصَوُّره - فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَاد بِمَا بَيْن يَدَيْهَا وَمَا خَلْفهَا فِي الْمَكَان وَهُوَ مَا حَوْلهَا مِنْ الْقُرَى كَمَا قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَالَ أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس عَنْ أَبِي الْعَالِيَة" فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْن يَدَيْهَا وَمَا خَلْفهَا " أَيْ عُقُوبَة لِمَا خَلَا مِنْ ذُنُوبهمْ وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم : وَرَوَى عَنْ عِكْرِمَة وَمُجَاهِد وَالسُّدِّيّ وَالْفَرَّاء وَابْن عَطِيَّة : لِمَا بَيْن يَدَيْهَا مِنْ ذُنُوب الْقَوْم وَمَا خَلْفهَا لِمَنْ يَعْمَل بَعْدهَا مِثْل تِلْكَ الذُّنُوب وَحَكَى الرَّازِيّ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحَدهَا أَنَّ الْمُرَاد بِمَا بَيْن يَدَيْهَا وَمَا خَلْفهَا مَنْ تَقَدَّمَهَا مِنْ الْقُرَى بِمَا عِنْدهمْ مِنْ الْعِلْم يُخْبِرهَا بِالْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَة وَمَنْ بَعْدهَا . وَالثَّانِي الْمُرَاد بِذَلِكَ مَنْ بِحَضْرَتِهَا مِنْ الْقُرَى وَالْأُمَم . وَالثَّالِث أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَهَا عُقُوبَة لِجَمِيعِ مَا اِرْتَكَبُوهُ مِنْ قَبْل هَذَا الْفِعْل وَمَا بَعْده وَهُوَ قَوْل الْحَسَن " قُلْت " وَأَرْجَحُ الْأَقْوَال الْمُرَاد بِمَا بَيْن يَدَيْهَا وَمَا خَلْفهَا مَنْ بِحَضْرَتِهَا مِنْ الْقُرَى يَبْلُغهُمْ خَبَرهَا وَمَا حَلَّ بِهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى " وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلكُمْ مِنْ الْقُرَى " الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى " وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَة " الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى " أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْض نَنْقُصهَا مِنْ أَطْرَافهَا " فَجَعَلَهُمْ عِبْرَة وَنَكَالًا لِمَنْ فِي زَمَانهمْ وَمَوْعِظَة لِمَنْ يَأْتِي بَعْدهمْ بِالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِر عَنْهُمْ وَلِهَذَا قَالَ " وَمَوْعِظَة لِلْمُتَّقِينَ " : وَقَوْله تَعَالَى " وَمَوْعِظَة لِلْمُتَّقِينَ" قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق عَنْ دَاوُد بْن الْحُصَيْن عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس " وَمَوْعِظَة لِلْمُتَّقِينَ " الَّذِينَ مِنْ بَعْدهمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَقَالَ الْحَسَن وَقَتَادَة " وَمَوْعِظَة لِلْمُتَّقِينَ " بَعْدهمْ فَيَتَّقُونَ نِقْمَة اللَّه وَيَحْذَرُونَهَا وَقَالَ السُّدِّيّ وَعَطِيَّة الْعَوْفِيّ " وَمَوْعِظَة لِلْمُتَّقِينَ" قَالَ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قُلْت " الْمُرَاد بِالْمَوْعِظَةِ هَاهُنَا الزَّاجِر أَيْ جَعَلْنَا مَا أَحْلَلْنَا بِهَؤُلَاءِ مِنْ الْبَأْس وَالنَّكَال فِي مُقَابَلَة مَا اِرْتَكَبُوهُ مِنْ مَحَارِم اللَّه وَمَا تَحَيَّلُوا بِهِ مِنْ الْحِيَل فَلْيُحْذَرْ الْمُتَّقُونَ صَنِيعهمْ لِئَلَّا يُصِيبهُمْ مَا أَصَابَهُمْ كَمَا قَالَ الْإِمَام أَبُو عَبْد اللَّه بْن بَطَّة حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن مُسْلِم حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن الصَّبَّاح الزَّعْفَرَانِيّ حَدَّثَنَا يَزِيد بْن هَارُونَ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عُمَر عَنْ أَبِي سَلَمَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا تَرْتَكِبُوا مَا اِرْتَكَبَتْ الْيَهُود فَتَسْتَحِلُّوا مَحَارِم اللَّه بِأَدْنَى الْحِيَل " وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّد وَأَحْمَد بْن مُسْلِم هَذَا وَثَّقَهُ الْحَافِظ أَبُو بَكْر الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ وَبَاقِي رِجَاله مَشْهُورُونَ عَلَى شَرْط الصَّحِيح وَاَللَّه أَعْلَم .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • أولياء الله بين المفهوم الصوفي والمنهج السني السلفي

    أولياء الله بين المفهوم الصوفي والمنهج السني السلفي: قال المصنف - حفظه الله -: «فلقد بات مفهوم الولاية الحقيقي غائبا عن الكثيرين كما ورد في الكتاب والسنة وبحسب ما فهمه السلف الصالح، وصار المتبادر إلى الذهن عند سماع كلمة الولي: ذاك الشيخ الذي يتمتم بأحزابه وأوراده، قد تدلت السبحة حول عنقه، وامتدت يداه إلى الناس يقبلونها وهم يكادون يقتتلون على التمسح به. ومن هنا فقد عمدت في هذا الكتاب إلى وضع دراسة مقارنة بين مفهوم الولاية الصحيح مدعما بالأدلة من الكتاب والسنة. وبين مفهومها عند الصوفية كما عرضتها لنا المئات من بطون كتب التصوف».

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/346798

    التحميل:

  • الإلحاد الخميني في أرض الحرمين

    الإلحاد الخميني في أرض الحرمين: كتابٌ قيِّم في بيان بعض مُعتقدات الروافض. وقد قدَّمه الشيخ - رحمه الله - بذكر بابٍ من أبواب كتاب «العقد الثمين» والذي فيه ذكر حوادث وقعت على مر العصور في الحرمين أو المسجد الحرام؛ من سفك للدماء وقتل للأبرياء وسلب ونهب وعدم أمن للحُجَّاج وغير ذلك. ثم قارَن الشيخُ بين حالنا في ظل الأمن والأمان وبين أحوال من سبقَنا والذين كانت هذه حالُهم، وبيَّن في ثنايا الكتاب أهم ما يدل على مُشابهة الروافض لليهود في المُعتقَدات والمعاملات، ثم ختمَ بذكر فضائل الصحابة على ترتيبهم في الأفضلية، وحرمة سبِّهم ولعنهم.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/380511

    التحميل:

  • فتيا في صيغة الحمد

    فتيا في صيغة الحمد ( الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده ) هل رويت في حديث في الصحيح أم لا ؟ وهل أصاب من اعترض عليها بقوله تعالى : { وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها }، وبما قد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول : { لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك }؟ يعني أنه مهما أثنى العبد على الله - عز وجل -، وتقدم بين يديه بحمده وشكره فلن يفي بحق نعمه، ولن يكافئ مزيده؛ فلا يوجد حمد يوافي نعمه ويكافئ مزيده !!.

    المدقق/المراجع: عبد الله بن سالم البطاطي

    الناشر: دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/265610

    التحميل:

  • الإسلام والمرأة

    الإسلام والمرأة: تحتوي هذه الرسالة على ستِّ مقالاتٍ حول المرأة في الإسلام، وهي: 1- ميراث المرأة بين الإسلام والأديان الأخرى. 2- الرد على شبهة تحريم زواج المسلمة من غير المسلم. 3- الرد على شبهة فتنة المرأة، ومعنى أنها تُقبِل في صورة شيطان. 4- تعدد الزوجات في الإسلام والديانات الأخرى. 5- الرد على شبهة أن ميراثَ الأُنثى نصف ميراث الذكر. 6- الرد على شبهة صوت المرأة عورة، ومعنى أنها خُلِقت من ضلعٍ أعوج.

    الناشر: موقع رسول الله http://www.rasoulallah.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/381129

    التحميل:

  • تعليقات على رسالة: «واجبنا نحو ما أمرنا الله به»

    تعليقات على رسالة: «واجبنا نحو ما أمرنا الله به»: قال المُصنِّف - حفظه الله -: «فموضوعُ هذه الرسالة عظيمٌ للغاية، يحتاجُ إليه كلُّ مسلمٍ ومُسلِمة، ألا وهو: «واجبُنا نحو ما أمرنا الله به»؛ ما الذي يجبُ علينا نحوَ ما أُمِرنا به في كتابِ ربِّنا وسنةِ نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم -؟».

    الناشر: موقع الشيخ عبد الرزاق البدر http://www.al-badr.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/381124

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة