Muslim Library

تفسير القرطبي - سورة الحج - الآية 1

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) (الحج) mp3
وَهِيَ مَكِّيَّة , سِوَى ثَلَاث آيَات : قَوْله تَعَالَى : " هَذَانِ خَصْمَانِ " [ الْحَجّ : 19 ] إِلَى تَمَام ثَلَاث آيَات ) , قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا ( أَنَّهُنَّ أَرْبَع آيَات ) , قَوْله " عَذَاب الْحَرِيق " [ الْحَجّ : 22 ] وَقَالَ الضَّحَّاك وَابْن عَبَّاس أَيْضًا : ( هِيَ مَدَنِيَّة ) - وَقَالَهُ قَتَادَة - إِلَّا أَرْبَع آيَات : " وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلك مِنْ رَسُول وَلَا نَبِيّ " [ الْحَجّ : 52 ] إِلَى " عَذَاب يَوْم عَقِيم " [ الْحَجّ : 55 ] فَهُنَّ مَكِّيَّات . وَعَدَّ النَّقَّاش مَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ عَشْر آيَات . وَقَالَ الْجُمْهُور : السُّورَة مُخْتَلِطَة , مِنْهَا مَكِّيّ وَمِنْهَا مَدَنِيّ . وَهَذَا هُوَ الْأَصَحّ ; لِأَنَّ الْآيَات تَقْتَضِي ذَلِكَ , لِأَنَّ " يَأَيُّهَا النَّاس " مَكِّيّ , وَ " يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا " مَدَنِيّ . الْغَزْنَوِيّ : وَهِيَ مِنْ أَعَاجِيب السُّوَر , نَزَلَتْ لَيْلًا وَنَهَارًا , سَفَرًا وَحَضَرًا , مَكِّيًّا وَمَدَنِيًّا , سِلْمِيًّا وَحَرْبِيًّا , نَاسِخًا وَمَنْسُوخًا , مُحْكَمًا وَمُتَشَابِهًا ; مُخْتَلِف الْعَدَد .

قُلْت : وَجَاءَ فِي فَضْلهَا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ عُقْبَة بْن عَامِر قَالَ قُلْت : يَا رَسُول اللَّه , فُضِّلَتْ سُورَة الْحَجّ بِأَنَّ فِيهَا سَجْدَتَيْنِ ؟ قَالَ : ( نَعَمْ , وَمَنْ لَمْ يَسْجُدهُمَا فَلَا يَقْرَأهُمَا ) . لَفْظ التِّرْمِذِيّ . وَقَالَ : هَذَا حَدِيث حَسَن لَيْسَ إِسْنَاده بِالْقَوِيِّ .

وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي هَذَا ; فَرُوِيَ عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - وَابْن عُمَر أَنَّهُمَا قَالَا : " فُضِّلَتْ سُورَة الْحَجّ بِأَنَّ فِيهَا سَجْدَتَيْنِ " . وَبِهِ يَقُول اِبْن الْمُبَارَك وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق . وَرَأَى بَعْضهمْ أَنَّ فِيهَا سَجْدَة وَاحِدَة ; وَهُوَ قَوْل سُفْيَان الثَّوْرِيّ . رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن ثَعْلَبَة قَالَ : رَأَيْت عُمَر بْن الْخَطَّاب سَجَدَ فِي الْحَجّ سَجْدَتَيْنِ ; قُلْت فِي الصُّبْح ؟ قَالَ فِي الصُّبْح .

رَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ عِمْرَان بْن حُصَيْن أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَتْ " يَأَيُّهَا النَّاس اِتَّقُوا رَبّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم - إِلَى قَوْله - وَلَكِنَّ عَذَاب اللَّه شَدِيد " قَالَ : أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَة وَهُوَ فِي سَفَر فَقَالَ : ( أَتَدْرُونَ أَيّ يَوْم ذَلِكَ ) ؟ فَقَالُوا : اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم ; قَالَ : ( ذَاكَ يَوْم يَقُول اللَّه لِآدَمَ اِبْعَثْ بَعْث النَّار قَالَ يَا رَبّ وَمَا بَعْث النَّار قَالَ تِسْعمِائَةِ وَتِسْعَة وَتِسْعُونَ إِلَى النَّار وَوَاحِد إِلَى الْجَنَّة ) . فَأَنْشَأَ الْمُسْلِمُونَ يَبْكُونَ ; فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قَارِبُوا وَسَدِّدُوا فَإِنَّهُ لَمْ تَكُنْ نُبُوَّة قَطُّ إِلَّا كَانَ بَيْن يَدَيْهَا جَاهِلِيَّة - قَالَ - فَيُؤْخَذ الْعَدَد مِنْ الْجَاهِلِيَّة فَإِنْ تَمَّتْ وَإِلَّا كُمِّلَتْ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَمَا مَثَلُكُمْ وَالْأُمَم إِلَّا كَمَثَلِ الرَّقْمَة فِي ذِرَاع الدَّابَّة أَوْ كَالشَّامَةِ فِي جَنْب الْبَعِير - ثُمَّ قَالَ - إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبْع أَهْل الْجَنَّة - فَكَبَّرُوا ; ثُمَّ قَالَ - إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُث أَهْل الْجَنَّة - فَكَبَّرُوا ; ثُمَّ قَالَ - إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْف أَهْل الْجَنَّة ) فَكَبَّرُوا . قَالَ : لَا أَدْرِي قَالَ الثُّلُثَيْنِ أَمْ لَا . قَالَ : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح , قَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْر وَجْه عَنْ الْحَسَن عَنْ عِمْرَان بْن حُصَيْن . وَفِيهِ : فَيَئِسَ الْقَوْم حَتَّى مَا أَبْدَوْا بِضَاحِكَةٍ , فَلَمَّا رَأَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( اِعْمَلُوا وَأَبْشِرُوا فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّكُمْ لَمَعَ خَلِيقَتَيْنِ مَا كَانَتَا مَعَ شَيْء إِلَّا كَثَّرَتَاهُ يَأْجُوج وَمَأْجُوج وَمَنْ مَاتَ مِنْ بَنِي آدَم وَبَنِي إِبْلِيس ) قَالَ : فَسُرِّيَ عَنْ الْقَوْم بَعْض الَّذِي يَجِدُونَ ; فَقَالَ : ( اِعْمَلُوا وَأَبْشِرُوا فَوَاَلَّذِي نَفْس مُحَمَّد بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ فِي النَّاس إِلَّا كَالشَّامَةِ فِي جَنْب الْبَعِير أَوْ كَالرَّقْمَةِ فِي ذِرَاع الدَّابَّة ) قَالَ : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَقُول اللَّه تَعَالَى يَا آدَم فَيَقُول لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْر فِي يَدَيْك - قَالَ - يَقُول أَخْرِجْ بَعْث النَّار قَالَ وَمَا بَعْث النَّار قَالَ مِنْ كُلّ أَلْف تِسْعمِائَةِ وَتِسْعَة وَتِسْعِينَ قَالَ فَذَاكَ حِين يَشِيب الصَّغِير وَتَضَع كُلّ ذَات حَمْل , حَمْلهَا وَتَرَى النَّاس سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَاب اللَّه شَدِيد ) . قَالَ : فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ; قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , أَيّنَا ذَلِكَ الرَّجُل ؟ فَقَالَ : ( أَبْشِرُوا فَإِنَّ مِنْ يَأْجُوج وَمَأْجُوج أَلْفًا وَمِنْكُمْ رَجُل ) . وَذَكَرَ الْحَدِيث بِنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيث عِمْرَان بْن حُصَيْن . وَذَكَرَ أَبُو جَعْفَر النَّحَّاس قَالَ : حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن نَافِع قَالَ حَدَّثَنَا سَلَمَة قَالَ حَدَّثَنَا عَبْد الرَّزَّاق قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ قَتَادَة عَنْ أَنَس بْن مَالِك رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ " يَأَيُّهَا النَّاس اِتَّقُوا رَبّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم - إِلَى - وَلَكِنَّ عَذَاب اللَّه شَدِيد " قَالَ : نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي مَسِير لَهُ , فَرَفَعَ بِهَا صَوْته حَتَّى ثَابَ إِلَيْهِ أَصْحَابه فَقَالَ : ( أَتَدْرُونَ أَيّ يَوْم هَذَا هَذَا يَوْم يَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِآدَمَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا آدَم قُمْ فَابْعَثْ بَعْث أَهْل النَّار مِنْ كُلّ أَلْف تِسْعمِائَةِ وَتِسْعَة وَتِسْعُونَ إِلَى النَّار وَوَاحِد إِلَى الْجَنَّة ) . فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ; فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ فِي النَّاس إِلَّا كَالشَّامَةِ فِي جَنْب الْبَعِير أَوْ كَالرَّقْمَةِ فِي ذِرَاع الْحِمَار وَإِنَّ مَعَكُمْ خَلِيقَتَيْنِ مَا كَانَتَا مَعَ شَيْء إِلَّا كَثَّرَتَاهُ يَأْجُوج وَمَأْجُوج وَمَنْ هَلَكَ مِنْ كَفَرَة الْجِنّ وَالْإِنْس ) .

قَوْله تَعَالَى : " يَأَيُّهَا النَّاس اِتَّقُوا رَبّكُمْ " الْمُرَاد بِهَذَا النِّدَاء الْمُكَلَّفُونَ ; أَيْ اِخْشَوْهُ فِي أَوَامِره أَنْ تَتْرُكُوهَا , وَنَوَاهِيه أَنْ تُقَدِّمُوا عَلَيْهَا . وَالِاتِّقَاء : الِاحْتِرَاس مِنْ الْمَكْرُوه ; وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّل " الْبَقَرَة " الْقَوْل فِيهِ مُسْتَوْفًى , فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَتِهِ . وَالْمَعْنَى : اِحْتَرِسُوا بِطَاعَتِهِ عَنْ عُقُوبَته .

قَوْله تَعَالَى : " إِنَّ زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم " الزَّلْزَلَة شِدَّة الْحَرَكَة ; وَمِنْهُ " وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُول الرَّسُول " [ الْبَقَرَة : 214 ] . وَأَصْل الْكَلِمَة مِنْ زَلَّ عَنْ الْمَوْضِع ; أَيْ زَالَ عَنْهُ وَتَحَرَّكَ . وَزَلْزَلَ اللَّه قَدَمه ; أَيْ حَرَّكَهَا . وَهَذِهِ اللَّفْظَة تُسْتَعْمَل فِي تَهْوِيل الشَّيْء . وَقِيلَ : هِيَ الزَّلْزَلَة الْمَعْرُوفَة الَّتِي هِيَ إِحْدَى شَرَائِط السَّاعَة , الَّتِي تَكُون فِي الدُّنْيَا قَبْل يَوْم الْقِيَامَة ; هَذَا قَوْل الْجُمْهُور . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ هَذِهِ الزَّلْزَلَة تَكُون فِي النِّصْف مِنْ شَهْر رَمَضَان , وَمِنْ بَعْدهَا طُلُوع الشَّمْس مِنْ مَغْرِبهَا , فَاَللَّه أَعْلَم .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • البينة العلمية في القرآن

    البينة العلمية في القرآن: رسالة مختصرة تُبيِّن عظمة القرآن الكريم وفضله، وبيان أنه أعظم معجزة لخير الرسل محمد - عليه الصلاة والسلام -، مع إظهار شيءٍ مما ورد فيه من آياتٍ بيِّناتٍ تدل على إعجازه.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/339049

    التحميل:

  • عدالة أهل البيت والصحابة بين الآيات القرآنية والتراكيب النباتية .. معجزة علمية

    عدالة أهل البيت والصحابة بين الآيات القرآنية والتراكيب النباتية: رسالة تتناول بالشرح والتفسير آخرَ آية من سورة الفتح: {.. كزرع أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يُعجِبُ الزُّرَّاع ليغيظَ بهمُ الكُفَّار ..}؛ حيث استنبطَ المؤلف أن آل البيت والصحابة كالفروع والأغصان، ثم ذكر حالهم في محبتهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - وتعظيمهم له.

    الناشر: جمعية الآل والأصحاب http://www.aal-alashab.org

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/335470

    التحميل:

  • ثمرة العلم العمل

    ثمرة العلم العمل: فإن الله - جل وعلا - عظَّم قدر العلم ومكانة العلماء; وبيَّن أن العلماء أخشى الناس لله - سبحانه وتعالى -; وذلك لعلمهم بعملهم; وهذا هو ثمرةُ العلم; وفي هذه الرسالة ذكر المؤلف - حفظه الله - الشواهد والدلائل على اقتضاء العلمِ العملَ; من خلال نقاطٍ عديدة تُجلِّي هذا الأمر.

    الناشر: موقع الشيخ عبد الرزاق البدر http://www.al-badr.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/316846

    التحميل:

  • مظاهر التشبه بالكفار في العصر الحديث وأثرها على المسلمين

    فإن الله - عز وجل - لما أمر المؤمنين بالدعاء وطلبِ الثبات على الصراط المستقيم حذَّرَهم عن سبيل المشـركين فقال - عز وجل -: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}، فمن أهم مقتضيات الصراط المستقيم: البعد عن سبيل المشـركين.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/260201

    التحميل:

  • آداب المشي إلى الصلاة مع بيان بعض أحكام الصلاة والزكاة ومايفسد الصوم

    آداب المشي إلى الصلاة : رسالة في بيان ما يُسن للخروج إلى الصلاة من آداب وصفة الصلاة وواجباتها وسننها، وبيان صلاة التطوع وما يتعلق بها، وصلاة الجماعة وواجباتها وسننها، وبيان صلاة أهل الأعذار، وصلاة الجمعة والعيدين والكسوف والإستسقاء وصلاة الجنازة، وما يتعلق بالزكاة والصيام.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/264152

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة