Muslim Library

تفسير القرطبي - سورة عبس - الآية 1

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ (1) (عبس) mp3
" عَبَسَ " أَيْ كَلَحَ بِوَجْهِهِ ; يُقَال : عَبَسَ وَبَسَرَ . " وَتَوَلَّى " أَيْ أَعْرَضَ بِوَجْهِهِ قَالَ مَالِك : إِنَّ هِشَام بْن عُرْوَة حَدَّثَهُ عَنْ عُرْوَة , أَنَّهُ قَالَ : نَزَلَتْ " عَبَسَ وَتَوَلَّى " فِي اِبْن أُمّ مَكْتُوم ; جَاءَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يَقُول : يَا مُحَمَّد اسْتَدْنِنِي , وَعِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُل مِنْ عُظَمَاء الْمُشْرِكِينَ , فَجَعَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْرِض عَنْهُ وَيُقْبِل عَلَى الْآخَر , وَيَقُول : ( يَا فُلَان , هَلْ تَرَى بِمَا أَقُول بَأْسًا ) ؟ فَيَقُول : [ لَا وَالدُّمَى مَا أَرَى بِمَا تَقُول بَأْسًا ] ; فَأَنْزَلَ اللَّه : " عَبَسَ وَتَوَلَّى " . وَفِي التِّرْمِذِيّ مُسْنَدًا قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد بْن يَحْيَى بْن سَعِيد الْأُمَوِيّ , حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ هَذَا مَا عَرَضْنَا عَلَى هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَة , قَالَتْ : نَزَلَتْ " عَبَسَ وَتَوَلَّى " فِي اِبْن أُمّ مَكْتُوم الْأَعْمَى , أَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ , يَقُول : يَا رَسُول اللَّه أَرْشِدْنِي , وَعِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُل مِنْ عُظَمَاء الْمُشْرِكِينَ , فَجَعَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْرِض عَنْهُ , وَيُقْبِل عَلَى الْآخَر , وَيَقُول : [ أَتَرَى بِمَا أَقُول بَأْسًا ] فَيَقُول : لَا ; فَفِي هَذَا نَزَلَتْ ; قَالَ : هَذَا حَدِيث غَرِيب . الْآيَة عِتَاب مِنْ اللَّه لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِعْرَاضه وَتَوَلِّيه عَنْ عَبْد اللَّه بْن أُمّ مَكْتُوم . وَيُقَال : عَمْرو بْن أُمّ مَكْتُوم , وَاسْم أُمّ مَكْتُوم عَاتِكَة بِنْت عَامِر بْن مَخْزُوم , وَعَمْرو هَذَا : هُوَ اِبْن قَيْس بْن زَائِدَة بْن الْأَصَمّ , وَهُوَ اِبْن خَال خَدِيجَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا . وَكَانَ قَدْ تَشَاغَلَ عَنْهُ بِرَجُلٍ مِنْ عُظَمَاء الْمُشْرِكِينَ , يُقَال كَانَ الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : أَمَّا قَوْل عُلَمَائِنَا إِنَّهُ الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة فَقَدْ قَالَ آخَرُونَ إِنَّهُ أُمَيَّة بْن خَلَف وَالْعَبَّاس وَهَذَا كُلّه بَاطِل وَجَهْل مِنْ الْمُفَسِّرِينَ الَّذِينَ لَمْ يَتَحَقَّقُوا الدِّين , ذَلِكَ أَنَّ أُمَيَّة بْن خَلَف وَالْوَلِيد كَانَا بِمَكَّة وَابْن أُمِّ مَكْتُوم كَانَ بِالْمَدِينَةِ , مَا حَضَرَ مَعَهُمَا وَلَا حَضَرَا مَعَهُ , وَكَانَ مَوْتهمَا كَافِرَيْنِ , أَحَدهمَا قَبْل الْهِجْرَة , وَالْآخَر بِبَدْرٍ , وَلَمْ يَقْصِد قَطُّ أُمَيَّة الْمَدِينَة , وَلَا حَضَرَ عِنْده مُفْرَدًا , وَلَا مَعَ أَحَد . أَقْبَلَ اِبْن أُمّ مَكْتُوم وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشْتَغِل بِمَنْ حَضَرَهُ مِنْ وُجُوه قُرَيْش يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّه تَعَالَى , وَقَدْ قَوِيَ طَمَعه فِي إِسْلَامهمْ وَكَانَ فِي إِسْلَامهمْ إِسْلَام مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ قَوْمهمْ , فَجَاءَ اِبْن أُمّ مَكْتُوم وَهُوَ أَعْمَى فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه عَلِّمْنِي مِمَّا عَلَّمَك اللَّه , وَجَعَلَ يُنَادِيه وَيُكْثِر النِّدَاء , وَلَا يَدْرِي أَنَّهُ مُشْتَغِل بِغَيْرِهِ , حَتَّى ظَهَرَتْ الْكَرَاهَة فِي وَجْه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَطْعِهِ كَلَامه , وَقَالَ فِي نَفْسه : يَقُول هَؤُلَاءِ : إِنَّمَا أَتْبَاعه الْعُمْيَان وَالسَّفَلَة وَالْعَبِيد ; فَعَبَسَ وَأَعْرَضَ عَنْهُ , فَنَزَلَتْ الْآيَة . قَالَ الثَّوْرِيّ : فَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد ذَلِكَ إِذَا رَأَى اِبْن أُمّ مَكْتُوم يَبْسُط لَهُ رِدَاءَهُ وَيَقُول : [ مَرْحَبًا بِمَنْ عَاتَبَنِي فِيهِ رَبِّي ] . وَيَقُول : [ هَلْ مِنْ حَاجَة ] ؟ وَاسْتَخْلَفَهُ عَلَى الْمَدِينَة مَرَّتَيْنِ فِي غَزْوَتَيْنِ غَزَاهُمَا . قَالَ أَنَس : فَرَأَيْته يَوْم الْقَادِسِيَّة رَاكِبًا وَعَلَيْهِ دِرْع وَمَعَهُ رَايَة سَوْدَاء . قَالَ عُلَمَاؤُنَا : مَا فَعَلَهُ اِبْن أُمّ مَكْتُوم كَانَ مِنْ سُوء الْأَدَب لَوْ كَانَ عَالِمًا بِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَشْغُول بِغَيْرِهِ , وَأَنَّهُ يَرْجُو إِسْلَامَهُمْ , وَلَكِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَاتَبَهُ حَتَّى لَا تَنْكَسِر قُلُوب أَهْل الصُّفَّة ; أَوْ لِيُعْلِم أَنَّ الْمُؤْمِن الْفَقِير خَيْر مِنْ الْغَنِيّ , وَكَانَ النَّظَر إِلَى الْمُؤْمِن أَوْلَى وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا أَصْلَح وَأَوْلَى مِنْ الْأَمْر الْآخَر , وَهُوَ الْإِقْبَال عَلَى الْأَغْنِيَاء طَمَعًا فِي إِيمَانهمْ , وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَيْضًا نَوْعًا مِنْ الْمَصْلَحَة , وَعَلَى هَذَا يُخَرَّج قَوْل تَعَالَى : " مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُون لَهُ أَسْرَى " [ الْأَنْفَال : 67 ] الْآيَة عَلَى مَا تَقَدَّمَ . وَقِيلَ : إِنَّمَا قَصَدَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَأْلِيف الرَّجُل , ثِقَة بِمَا كَانَ فِي قَلْب اِبْن مَكْتُوم مِنْ الْإِيمَان ; كَمَا قَالَ : [ إِنِّي لَأَصِلُ الرَّجُل , وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ , مَخَافَة أَنْ يُكِبّهُ اللَّه فِي النَّار عَلَى وَجْهه ] . قَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّمَا عَبَسَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ أُمّ مَكْتُوم وَأَعْرَضَ عَنْهُ ; لِأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى الَّذِي كَانَ يَقُودهُ أَنْ يَكُفَّهُ , فَدَفَعَهُ اِبْن أُمّ مَكْتُوم , وَأَبَى إِلَّا أَنْ يُكَلِّم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يُعَلِّمَهُ , فَكَانَ فِي هَذَا نَوْع جَفَاء مِنْهُ . وَمَعَ هَذَا أَنْزَلَ اللَّه فِي حَقِّهِ عَلَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " عَبَسَ وَتَوَلَّى " بِلَفْظِ الْإِخْبَار عَنْ الْغَائِب , تَعْظِيمًا لَهُ وَلَمْ يَقُلْ : عَبَسْت وَتَوَلَّيْت .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • الكافي في فقه أهل المدينة

    الكافي في فقه أهل المدينة : كتاب مختصر في الفقه يجمع المسائل التي هي أصول وأمهات لما يبنى عليها من الفروع والبينات في فوائد الأحكام ومعرفة الحلال والحرم مختصراً ومبوباً، يكفي عن المؤلفات الطوال، ويقوم مقام الذاكرة عند عدم المدارسة، واعتمد على علم أهل المدينة، سالكاً فيه مسلك مذهب الإمام مالك بن أنس، معتمداً على ما صح من كتب المالكيين ومذهب المدنيين، مقتصراً على الأصح علماً والأوثق فعلاً وهي الموطأ والمدونة وكتاب ابن عبد الحكم والمبسوطة لإسماعيل القاضي والحاوي لأبي الفرج، ومختصر أبي مصعب، وموطأ ابن وهب. وفي من كتاب ابن الحواز، ومختصر الوقار، ومن القبة، والواضحة، أيضاً ما ارتآه المؤلف مناسباً في موضوعه.

    الناشر: موقع أم الكتاب http://www.omelketab.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/141375

    التحميل:

  • العنف في العمل الإسلامي المعاصر [ قراءة شرعية ورؤية واقعية ]

    العنف في العمل الإسلامي المعاصر : حوار شارك فيه عدد كبير من أهل العلم، وكانت الأسئلة التي عرضت على الشيوخ والأساتذة الأفاضل هي: - ما عوامل نشوء تيارات العنف المنتسبة إلى الإسلام في زماننا، وما صلتها بتيارات الغلو القديمة؟ - ما ضوابط تغيير المنكر باليد؟ - ما مدى مشروعية الجماعات الإسلامية المعاصرة؟ - كيف يمكن التصدي لدعوات التكفير والخروج المسلح على الحاكم المسلم؟ - ما السبيل إلى تحكيم شرع الله في البلدان الإسلامية التي تحكمها نظم علمانية؟ - ما تأثير تيارات العنف هذه في مستقبل الصحوة الإسلامية؟

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/144863

    التحميل:

  • أولئك مبرؤون

    أولئك مبرؤون: بحث تأصيلي في نقض الشبهات المثارة حول بعض الصحابة.

    الناشر: مركز البحوث في مبرة الآل والأصحاب http://www.almabarrah.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/260221

    التحميل:

  • المستطاب في أسباب نجاح دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله

    المستطاب في أسباب نجاح دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : بيان أسباب نجاح هذه الدعوة، مع بيان لماذا نحب هذه الدعوة ولماذا نجحت واستمرت؟!!

    الناشر: موقع الإسلام http://www.al-islam.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/144868

    التحميل:

  • مقومات الداعية الناجح

    مقومات الداعية الناجح : كتاب قيّم يبحث فيه المؤلف السبل الكفيلة لنجاح الدعوة وتحقيق أهدافها، وحمايتها من كيد الكائدين من الأعداء وجهل الجاهلين من الأحباء .

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/45273

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة