Muslim Library

تفسير ابن كثر - سورة التوبة - الآية 101

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ۖ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ۚ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) (التوبة) mp3
يُخْبِر تَعَالَى رَسُوله صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ أَنَّ فِي أَحْيَاء الْعَرَب مِمَّنْ حَوْل الْمَدِينَة مُنَافِقِينَ وَفِي أَهْل الْمَدِينَة أَيْضًا مُنَافِقُونَ " مَرَدُوا عَلَى النِّفَاق " أَيْ مُرِّنُوا وَاسْتَمَرُّوا عَلَيْهِ وَمِنْهُ يُقَال شَيْطَان مَرِيد وَمَارِد وَيُقَال تَمَرَّدَ فُلَان عَلَى اللَّه أَيْ عَتَا وَتَجَبَّرَ وَقَوْله " لَا تَعْلَمهُمْ نَحْنُ نَعْلَمهُمْ " لَا يُنَافِي قَوْله تَعَالَى " وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكُمْ فَلَعَرَفْتُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُم فِي لَحْن الْقَوْل " لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَاب التَّوَسُّم فِيهِمْ بِصِفَاتٍ يُعْرَفُونَ بِهَا لَا أَنَّهُ يَعْرِف جَمِيع مَنْ عِنْده مِنْ أَهْل النِّفَاق وَالرَّيْب عَلَى التَّعْيِين وَقَدْ كَانَ يَعْلَم أَنَّ فِي بَعْض مَنْ يُخَالِطهُ مِنْ أَهْل الْمَدِينَة نِفَاقًا وَإِنْ كَانَ يَرَاهُ صَبَاحًا وَمَسَاء وَشَاهِد هَذَا بِالصِّحَّةِ مَا رَوَاهُ الْإِمَام أَحْمَد فِي مُسْنَده حَيْثُ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر حَدَّثَنَا شُعْبَة عَنْ النُّعْمَان بْن سَالِم عَنْ رَجُل عَنْ جُبَيْر بْن مُطْعَم رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قُلْت يَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَيْسَ لَنَا أَجْر بِمَكَّة فَقَالَ " لَتَأْتِيَنَّكُمْ أُجُوركُمْ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي جُحْر ثَعْلَب " وَأَصْغَى إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَأْسِهِ فَقَالَ " إِنَّ فِي أَصْحَابِي مُنَافِقِينَ " وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ يَبُوح بَعْض الْمُنَافِقِينَ وَالْمُرْجِفِينَ مِنْ الْكَلَام بِمَا لَا صِحَّة لَهُ وَمِنْ مِثْلهمْ صَدَرَ هَذَا الْكَلَام الَّذِي سَمِعَهُ جُبَيْر بْن مُطْعِم وَتَقَدَّمَ فِي تَفْسِير قَوْله " وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا " أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَ حُذَيْفَة بِأَعْيَانِ أَرْبَعَة عَشَر أَوْ خَمْسَة عَشَر مُنَافِقًا وَهَذَا تَخْصِيص لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ اِطَّلَعَ عَلَى أَسْمَائِهِمْ وَأَعْيَانهمْ كُلّهمْ وَاَللَّه أَعْلَم وَرَوَى الْحَافِظ اِبْن عَسَاكِر فِي تَرْجَمَة أَبِي عُمَر الْبَيْرُوتِيّ مِنْ طَرِيق هِشَام بْن عَمَّار حَدَّثَنَا صَدَقَة بْن خَالِد حَدَّثَنَا بْن جَابِر حَدَّثَنِي شَيْخ بِبَيْرُوت يُكَنَّى أَبَا عُمَر أَظُنّهُ حَدَّثَنِي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء أَنَّ رَجُلًا يُقَال لَهُ حَرْمَلَة أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ فَقَالَ : الْإِيمَان هَهُنَا وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى لِسَانه . وَالنِّفَاق هَهُنَا وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى قَلْبه وَلَمْ يَذْكُر اللَّه إِلَّا قَلِيلًا فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اللَّهُمَّ اِجْعَلْ لَهُ لِسَانًا ذَاكِرًا وَقَلْبًا شَاكِرًا وَارْزُقْهُ حُبِّي وَحُبّ مَنْ يُحِبّنِي وَصَيِّرْ أَمْره إِلَى خَيْر " . فَقَالَ يَا رَسُول اللَّه : إِنَّهُ كَانَ لِي أَصْحَاب مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَكُنْت رَأْسًا فِيهِمْ أَفَلَا آتِيك بِهِمْ ؟ قَالَ " مَنْ أَتَانَا اِسْتَغْفَرْنَا لَهُ وَمَنْ أَصَرَّ فَاَللَّه أَوْلَى بِهِ وَلَا تَخْرِقَنَّ عَلَى أَحَد سِتْرًا " . قَالَ وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو أَحْمَد الْحَاكِم عَنْ أَبِي بَكْر الْبَاغَنْدِيّ عَنْ هِشَام بْن عَمَّار بِهِ وَقَالَ عَبْد الرَّزَّاق أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ قَتَادَة فِي هَذِهِ الْآيَة أَنَّهُ قَالَ مَا بَال أَقْوَام يَتَكَلَّفُونَ عِلْم النَّاس فُلَان فِي الْجَنَّة وَفُلَان فِي النَّار فَإِذَا سَأَلْت أَحَدهمْ عَنْ نَفْسه قَالَ لَا أَدْرِي لَعَمْرِي أَنْتَ بِنَصِيبِك أَعْلَم مِنْك بِأَحْوَالِ النَّاس وَلَقَدْ تَكَلَّفْت شَيْئًا مَا تَكَلَّفَهُ الْأَنْبِيَاء قَبْلك قَالَ نَبِيّ اللَّه نُوح عَلَيْهِ السَّلَام " وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " وَقَالَ نَبِيّ اللَّه شُعَيْب عَلَيْهِ السَّلَام " بَقِيَّة اللَّه خَيْر لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ " وَقَالَ اللَّه تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ " لَا تَعْلَمهُمْ نَحْنُ نَعْلَمهُمْ " وَقَالَ السُّدِّيّ عَنْ أَبِي مَالِك عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي هَذِهِ الْآيَة قَالَ : قَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا يَوْم الْجُمُعَة فَقَالَ " اُخْرُجْ يَا فُلَان إِنَّك مُنَافِق وَاخْرُجْ يَا فُلَان فَإِنَّك مُنَافِق " فَأَخْرَجَ مِنْ الْمَسْجِد نَاسًا مِنْهُمْ فَضَحَهُمْ فَجَاءَ عُمَر وَهُمْ يَخْرُجُونَ مِنْ الْمَسْجِد فَاخْتَبَأَ مِنْهُمْ حَيَاء أَنَّهُ لَمْ يَشْهَد الْجُمُعَة وَظَنَّ أَنَّ النَّاس قَدْ اِنْصَرَفُوا , وَاخْتَبَئُوا هُمْ مِنْ عُمَر ظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ بِأَمْرِهِمْ فَجَاءَ عُمَر فَدَخَلَ الْمَسْجِد فَإِذَا النَّاس لَمْ يُصَلُّوا فَقَالَ لَهُ رَجُل مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَبْشِرْ يَا عُمَر قَدْ فَضَحَ اللَّه الْمُنَافِقِينَ الْيَوْم . قَالَ اِبْن عَبَّاس فَهَذَا الْعَذَاب الْأَوَّل حِين أَخْرَجَهُمْ مِنْ الْمَسْجِد وَالْعَذَاب الثَّانِي عَذَاب الْقَبْر وَكَذَا قَالَ الثَّوْرِيّ عَنْ السُّدِّيّ عَنْ أَبِي مَالِك نَحْو هَذَا وَقَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله " سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ " " يَعْنِي الْقَتْل وَالسَّبْي وَقَالَ فِي رِوَايَة بِالْجُوعِ وَعَذَاب الْقَبْر ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَاب عَظِيم وَقَالَ اِبْن جُرَيْج عَذَاب الدُّنْيَا وَعَذَاب الْقَبْر ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَاب عَظِيم النَّار وَقَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ عَذَاب فِي الدُّنْيَا وَعَذَاب فِي الْقَبْر وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد : أَمَّا عَذَاب فِي الدُّنْيَا فَالْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد وَقَرَأَ قَوْله تَعَالَى " فَلَا تُعْجِبك أَمْوَالهمْ وَلَا أَوْلَادهمْ إِنَّمَا يُرِيد اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا " فَهَذِهِ الْمَصَائِب لَهُمْ عَذَاب وَهِيَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَجْر وَعَذَاب فِي الْآخِرَة فِي النَّار " ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَاب عَظِيم " قَالَ النَّار وَقَالَ مُحَمَّد بْن إسْحَاق " سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ " قَالَ هُوَ فِيمَا بَلَغَنِي مَا هُمْ فِيهِ مِنْ أَمْر الْإِسْلَام وَمَا يَدْخُل عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْظ ذَلِكَ عَلَى غَيْر حِسْبَة ثُمَّ عَذَابهمْ فِي الْقُبُور إِذَا صَارُوا إِلَيْهَا ثُمَّ الْعَذَاب الْعَظِيم الَّذِي يُرَدُّونَ إِلَيْهِ عَذَاب الْآخِرَة وَالْخُلْد فِيهِ وَقَالَ سَعِيد عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله " سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ " عَذَاب الدُّنْيَا وَعَذَاب الْقَبْر " ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَاب عَظِيم " وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسَرَّ إِلَى حُذَيْفَة بِاثْنَيْ عَشَر رَجُلًا مِنْ الْمُنَافِقِينَ فَقَالَ سِتَّة مِنْهُمْ تَكْفِيهِمْ الدُّبَيْلَة سِرَاج مِنْ نَار جَهَنَّم يَأْخُذ فِي كَتِف أَحَدهمْ حَتَّى يُفْضِي إِلَى صَدْره وَسِتَّة يَمُوتُونَ مَوْتًا . وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ كَانَ إِذَا مَاتَ رَجُل مِمَّنْ يَرَى أَنَّهُ مِنْهُمْ نَظَرَ إِلَى حُذَيْفَة فَإِنْ صَلَّى عَلَيْهِ وَإِلَّا تَرَكَهُ , وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ عُمَر قَالَ لِحُذَيْفَة أَنْشُدك اللَّه أَمِنْهُمْ أَنَا ؟ قَالَ لَا وَلَا أُومِن مِنْهَا أَحَدًا بَعْدك .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • زاد المعاد في هدي خير العباد

    يعتبر هذا الكتاب - زاد المعاد في هدي خير العباد - من أفضل ما كتب في هديه - صلى الله عليه وسلم - تقريب لهديه في سائر جوانب حياته؛ لنقتدي به ونسير على هديه - صلى الله عليه وسلم -.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/35239

    التحميل:

  • مقومات الداعية الناجح في ضوء الكتاب والسنة

    مقومات الداعية الناجح في ضوء الكتاب والسنة: قال المصنف - حفظه الله -: «هذا موضوع مهم جدًّا ينبغي أن يُبيَّن ويُبرز من قبل العلماء المبرزين الذين بذلوا حياتهم وجهدهم في سبيل نشر هذا الدين، وإيصاله للناس بالوسائل والطرق النافعة المشروعة؛ ولكني سأذكر ما يسَّّر الله لي من هذه المقوّمات التي لا يستغنِي عنها الداعية في دعوته».

    الناشر: المكتب التعاوني للدعوة وتوعية الجاليات بالربوة http://www.IslamHouse.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/193642

    التحميل:

  • الحث على اتباع السنة والتحذير من البدع وبيان خطرها

    الحث على اتباع السنة والتحذير من البدع وبيان خطرها: يحثُّ الشيخ - حفظه الله - في هذه الرسالة على اتباع السنة المطهَّرة، ويُحذِّر من الابتداع في الدين ومخالفة أوامر رب العالمين، وسيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم -، ويُبيِّن خطورة ذلك.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/2128

    التحميل:

  • مجموع فيه: من آثار سماحة الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العقيل في الذكريات والتاريخ والتراجم

    قال الجامع للرسالة: «فهذا مجموعٌ لطيفٌ من فوائد سماحة شيخنا ووالدنا النبيل، العالم العلامة الجليل، عبد الله بن عبد العزيز العقيل، أمدَّ الله في عمره على الخير والعافية والطاعة والإفادة. ويحتوي المجموع على: 1- رسالة بعنوان: «قصتي في طلب العلم» .. 2- رسالة بعنوان: «سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز كما عرفتُه» .. 3- مقالة بعنوان: «ترجمة الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله -» .. 4- مجموعة من المقابلات واللقاءات التي أُجرِيت مع شيخنا، لما فيها من معلومات قيمة ..».

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/371021

    التحميل:

  • فتيا في صيغة الحمد

    فتيا في صيغة الحمد ( الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده ) هل رويت في حديث في الصحيح أم لا ؟ وهل أصاب من اعترض عليها بقوله تعالى : { وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها }، وبما قد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول : { لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك }؟ يعني أنه مهما أثنى العبد على الله - عز وجل -، وتقدم بين يديه بحمده وشكره فلن يفي بحق نعمه، ولن يكافئ مزيده؛ فلا يوجد حمد يوافي نعمه ويكافئ مزيده !!.

    المدقق/المراجع: عبد الله بن سالم البطاطي

    الناشر: دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/265610

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة